تكنولوجياثقافة

الطفولة في عصر الشاشات.. بين الفائدة التعليمية والإدمان الرقمي

الهواتف الذكية تهديد صامت للتحصيل الدراسي والنمو النفسي والاجتماعي

أفاد تربويون واختصاصيون نفسيون واجتماعيون بأن إدمان الأطفال الهواتف الذكية والألعاب الرقمية بات يشكل خطراً متزايداً على تحصيلهم الدراسي وصحتهم النفسية والاجتماعية، محذرين من أن هذه الظاهرة تسلب التلاميذ طفولتهم.

 

وتضعف قدراتهم على التواصل الواقعي والتعلم التقليدي، مؤكدين أن الحل لا يكمن في المنع الكامل، بل في ترسيخ التربية الرقمية، ووضع ضوابط أسرية ومدرسية تضمن الاستخدام الآمن والمتوازن للتكنولوجيا.

وأوضح التربويون أن الهواتف الذكية تحمل وجهاً مزدوجاً؛ فهي أداة يمكن أن تكون نافعة إذا أُحسن استخدامها، ولكنها تتحول إلى خطر صامت يهدد الطفولة إذا غابت الرقابة والتوجيه.

 

وأشاروا إلى أن مواجهة هذه الظاهرة لا تقوم على الحرمان المطلق، بل على خلق توازن واعٍ يضمن أن يسيطر الطفل على الجهاز، لا أن يُسيطر الجهاز على طفولته وسلوكياته.

وأظهرت دراسات عالمية أن الأطفال يقضون وقتاً يفوق بكثير التوصيات الصحية أمام الشاشات، حيث توصي منظمة الصحة العالمية بألا يتجاوز الاستخدام ساعتين يومياً، بينما تقضي نسبة كبيرة من الأطفال أكثر من خمس ساعات يومياً على الأجهزة.

 

كما بيّنت الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال أن الاستخدام المفرط يرتبط باضطرابات النوم وزيادة التوتر وضعف التركيز، في حين كشفت دراسة صادرة عن جامعة كامبريدج أن تجاوز ثلاث ساعات من استخدام الشاشات يومياً يؤدي إلى انخفاض في درجات الطلبة في القراءة والرياضيات.

ووفقاً لتقرير صادر عن منظمة يونيسف، فإن واحداً من كل ثلاثة مستخدمين للإنترنت في العالم هو طفل، ما يضاعف حجم التحديات والمخاطر المرتبطة بالاستخدام المفرط وغير المنضبط للأجهزة الذكية.

ذهن مشتت

 

محمد فتح الباب

محمد فتح الباب

وأكد الخبير التربوي الدكتور محمد فتح الباب أن الأطفال الذين يمضون وقتاً طويلاً أمام الشاشات يعودون إلى الصفوف الدراسية بذهن مشتت وانتباه متقطع.

 

مشيراً إلى أن بعض التلاميذ باتوا يقيسون متعة التعلم بمدى تفاعليته ومدى قربه من الألعاب الإلكترونية، ما انعكس سلباً على مستواهم في المواد الأساسية.

وأضاف إن الحل يكمن في استثمار الأدوات الرقمية داخل البيئة الصفية، بحيث يتم إدخال أنشطة تفاعلية وألعاب تعليمية تواكب اهتمامات الطلبة الرقمية، دون أن تفقدهم جوهر التعلم الحقيقي.

 

أيمن بوبو

أيمن بوبو

وفي السياق نفسه، أوضح أيمن بوبو، معلم اللغة العربية، أن الهواتف الذكية أثرت بشكل سلبي في مهارات القراءة والكتابة لدى الطلبة، حيث بات الاعتماد على النسخ واللصق سلوكاً شائعاً.

 

فضلاً عن استخدام الرموز التعبيرية واللغة الدارجة في إنجاز الواجبات. وأكد أن هذا النمط من الاستخدام يؤدي إلى ضعف التكوين اللغوي والتعبير السليم، وخصوصاً لدى طلبة الحلقة الأولى.

وبيّن أن الحل يستدعي إدخال حصص مخصصة للتربية الرقمية ضمن المناهج الدراسية، لتوعية الطلبة بالاستخدام السليم للأجهزة، وربطهم بتطبيقات تعليمية تعزز مهاراتهم اللغوية، بدلاً من الانجراف وراء الاستخدام العشوائي الذي يهدر الوقت ويضعف المهارات الأساسية.

رقابة غائبة

 

عبداللطيف السيابي

عبداللطيف السيابي

من جهته، لفت الخبير التربوي الدكتور عبداللطيف السيابي إلى أن المشكلة الحقيقية لا تكمن في الجهاز بحد ذاته، بل في غياب الرقابة والتوجيه داخل الأسرة، مؤكداً أن الأجهزة الذكية يمكن أن تكون وسيلة تعليم فعالة بقدر ما قد تكون سبباً في التراجع الدراسي والسلوكي.

 

وقال إن كثيراً من الأسر تمنح أطفالها الهواتف دون وضع قواعد واضحة أو محددة، وهو ما يترك الطفل عرضة للألعاب العنيفة والمحتويات غير المناسبة لعمره ووعيه.

وأوضح أن الحل يبدأ من المنزل، من خلال بناء شراكة حقيقية بين الأسرة والمدرسة لتحديد أوقات الاستخدام، ومتابعة المحتوى بشكل دقيق، مشدداً على أن المدارس مطالبة بتقديم برامج توعية موجهة إلى أولياء الأمور قبل التلاميذ، لأن الأهل يشكلون خط الدفاع الأول في مواجهة هذا النوع من الإدمان.

 

نعيمة عوض

نعيمة عوض

وحذرت التربوية نعيمة عوض من أن التعلق المفرط بالأجهزة الذكية أفقد الأطفال مهارات اللعب الجماعي والتفاعل الاجتماعي، مشيرة إلى أن جيل اليوم أصبح يميل إلى العزلة والانطواء، ويفضّل الجلوس لساعات أمام الشاشات على المشاركة في الأنشطة الرياضية أو الفنية.

 

وأضافت إن على المدارس توسيع دائرة الأنشطة اللامنهجية، وخصوصاً الرياضية والفنية، لتوفير بدائل واقعية تسهم في سحب الأطفال تدريجياً من أمام الشاشة، مؤكدة أن النشاط الجماعي يثري شخصية الطالب، ويعزز مهاراته في التواصل، وبناء العلاقات، وحل المشكلات.

 

مروان حامد

مروان حامد

وفي هذا السياق، أشار مروان حامد، المرشد الأكاديمي في مدرسة المعارف الأمريكية، إلى أن الاستخدام المفرط للهواتف والألعاب الرقمية يؤدي إلى اضطرابات نفسية وسلوكية، أبرزها القلق، ضعف النوم.

 

والعصبية الزائدة. وقال إن بعض الألعاب العنيفة تغرس سلوكيات عدوانية لدى الأطفال، تنتقل إلى تصرفاتهم اليومية داخل المدرسة أو في المنزل.

وأكد أن الحل لا يكون عبر المنع التام، بل عبر تعامل ذكي من جانب الأسرة، بحيث يتم تحديد وقت مخصص لاستخدام الأجهزة، وربط هذا الوقت بسلوكيات إيجابية مثل الالتزام بالواجبات المدرسية أو النوم المبكر، مؤكداً أن التوازن هو الضمان الحقيقي لتقليل الأضرار.

مشهد مألوف

 

فاطمة الظنحاني

فاطمة الظنحاني

وأكدت الاختصاصية الاجتماعية فاطمة الظنحاني أن أخطر ما تسببه الهواتف الذكية هو ضعف الروابط الاجتماعية داخل الأسرة، موضحة أن مشهد الصمت الجماعي أمام الشاشات بات مألوفاً في كثير من البيوت، وهو مؤشر خطير إلى تفكك التواصل الأسري.

 

وقالت إن الأطفال الذين يمضون ساعات طويلة أمام الهواتف يفقدون تدريجياً القدرة على الحوار والتفاعل مع الآخرين، وهو ما ينعكس سلباً على اندماجهم في المجتمع.

وأشارت إلى أن الحل لا يتوقف عند حدود الأسرة فقط، بل يمتد إلى المجتمع ككل، داعية إلى مبادرات مدرسية ومجتمعية مثل «يوم بلا هاتف» أو تنظيم أنشطة ترفيهية في الهواء الطلق، مؤكدة أن مثل هذه البرامج تسهم في إعادة التوازن بين العالم الرقمي والواقعي، وتساعد الأطفال على استعادة نمط حياة صحي واجتماعي أكثر اتزاناً.

«الصحة العالمية» و«يونيسف»: الأطفال يقضون أكثر من ضعف الوقت الموصى به أمام الشاشات

مبادرات للحد من الإدمان.. من «يوم بلا هاتف» إلى دمج التربية الرقمية في المناهج

تربويون واختصاصيون: المشكلة الحقيقية لا تكمن في الجهاز بعينه بل في غياب الرقابة والتوجيه داخل الأسرة

التعلق المفرط بالأجهزة الذكية أفقد الأطفال مهارات اللعب الجماعي والتفاعل الاجتماعي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى